الجمعة، 6 سبتمبر 2019

طريق الإنسان إلى الله له نهاية، وطريق الإنسان في الله لا نهاية له.


حديث الجمعة 
13 شعبان 1440هـ الموافق 19 أبريل 2019م
السيد/علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
عباد الله: [إنَّ طريق الإنسان إلى الله له نهاية، وإنَّ طريق الإنسان في الله لا نهاية له](1).
ماذا تعني هذه المقولة؟ قد يردِّدها البعض ويفهمونها بصورٍ مُتعدِّدة.
ونحن حين نتأمَّل في هذه المقولة، فإنَّا نرى حياة الإنسان وسلوكه في الحياة، نراها فيما أدركناه من معنى علاقتنا بالغيب. وهذا الفهم في العلاقة مع الغيب، لم يأت من فراغ، وإنَّما أتى من تدبُّرٍ وتأمُّلٍ على مرِّ السِّنين، في معنى: "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ..."[البقرة 3].
كثيرٌ من النَّاس، حين يتحدَّثون عن الله، وعن العارفين بالله، يتصوَّرون أنَّ العارف بالله - كما يطلقون عليه - يعلم الحقيقة المطلقة، فكلُّ كلمةٍ يقولها هي الحقُّ، وكلُّ فهمٍ يفهمه هو الحقُّ، وكلُّ رأيٍ يراه هو الحقُّ، وهذه آفةٌ في الإنسان، الذي إن لم ير شيئًا يعلم أنَّه الحقَّ، لاخترعه، وقال هذا هو الحقُّ.
في تاريخ البشريَّة، نرى هذا، حين لم يعلم النَّاس ما وراء الطَّبيعة، ولم يستطيعوا أن يفسِّروا ما يحدث لهم من ظواهر تتجلَّى عليهم، اخترعوا آلهةً، فهذا إله النَّار، وهذا إله الرِّيح، وهذا إله الجمال، وهذا إله كذا وكذا وكذا، وقاموا في هذا الاعتقاد، وطوَّروا طقوسًا ليتقرَّبوا بها إلى هذه الآلهة.
وتطوَّرت الصُّور والأشكال، فظهرت الأوثان والأصنام، وظهرت متابعة القديم دون وعيٍ ودون فهم، وظهرت عبادة الآباء والأجداد؛ لأنَّ الإنسان لم يستطع أن يتعامل مع الغيب، وأن يقول أنَّه لا يعرف. ولم يجرؤ من جعلوا من أنفسهم علماء للدِّين، أن يقولوا بحقٍّ أنَّنا لا نعرف، وكلمة أنَّنا لا نعرف الله، غير موجودةٍ في قواميسهم، ولا في لغتهم؛ لأنَّه ـ بالنِّسبة لهم ـ هم يعرفون الله.
وإذا سألتهم: كيف تعرفون الله؟ قالوا نعرف ما هو حكم الله، وما هو كلام الله، وما هي إرادة الله. فهل يستطيع أحدٌ ـ أيًّا كان ـ أن يعرف حكم الله، وأن يعرف إرادة الله، وأن يعرف كلام الله؟ هل يستطيع أحدٌ أن يتكلَّم باسم الله.؟
يقولون نحن نعلم كلام الله فيما جاء في القرآن. لقد فهم كثيرون القرآن بطرقٍ مُتعدِّدة، وكما قالوا: [القرآن حمَّال أوجه](2)، إذًا، فهل يستطيع أحدٌ أن يقول أنَّ الوجه الذي يراه، هو ما أراد الله؟ الحلُّ ببساطةٍ، أن نقول أنَّنا لا نعرف، فإذا وصلت إلى أن تؤمن بأنَّك لا تعرف، فهذا هو الطَّريق إلى الله، أن تصل إلى أنَّك لا تعرف، وأنَّ الله غيبٌ.
ومع أنَّ هذه المعاني قيلت لك بصراحةٍ، بأنَّ الله "... تَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ"[الأنعام 100]، وأنَّه "... لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"[الإخلاص 4]، وأنَّه "... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ..."[الشورى 11]، وأنَّ هذا الكتاب جاء لـ "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ"، "ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ..."[البقرة 3،2].
وما معنى "هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"؟ المتَّقون، الذين يخشون الله، "... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ..."[فاطر 28]، الذين يقولون أنَّنا لا نعلم، الذين يقولون هذا ما ارتأيناه وما فهمناه، وإنَّنا نستطيع أن نتغيَّر إلى مفهومٍ أفضل، وإلى قيامٍ أقوم.
فلننظر إلى الأحداث التي حدثت في تاريخ السِّيرة النَّبويَّة، في تغيير القبلة، وهي أيضًا تعبيرٌ عن معنى التَّغيير إلى ما يراه الإنسان أنَّه الأفضل، وأنَّ هذا التَّغيير لا يعني أنَّ ما كان عليه الإنسان قبل ذلك، أنَّه أقلّ، ولكن هو أفضلٌ بالنِّسبة له، "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ..."[البقرة 144].
"قِبْلَةً تَرْضَاهَا"، إذًا، ما يرتضيه الإنسان، يتوافق مع التَّوجيه الإلهيّ، "... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ..."[غافر 60]، فأنت تدعو أن تُوجَّه إلى قبلةٍ ترضاها، فستُوجَّه إلى هذه القبلة التي ترضاها، ماذا سيقول النَّاس الذين يتَّبعونك وفي قلوبهم مرضٌ؟ سيقولون: "... مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ..."[البقرة 142]، إنَّهم لا يريدون التَّغيير، لا يريدون أن يكون هناك مفاهيم مُتعدِّدة، واتِّجاهاتٍ مُتعدِّدة، إنَّهم يريدون أن يظلُّوا على شكلٍ واحد، وعلى فهمٍ واحد، وعلى حالٍ واحد، مع أنَّهم يمكن أن يكتشفوا ما هو أفضل بالنِّسبة لهم، وبالنِّسبة لوجودهم.
والقضيَّة لم تكن أنَّ التَّوجُّه إلى المسجد الحرام، أفضل من التَّوجُّه إلى المسجد الأقصى، وإنَّما تجد الآيات التي تصف ذلك، وتُعبِّر عن أنَّ هذا اختبارٌ للنَّاس، فالذين في قلوبهم مرضٌ سيقولون: "مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ"، والذين يؤمنون بمعنى رسول الله، وبرسول الله كواقع ـ في ذلك الوقت ـ سوف يتَّبعون رسول الله.
فرسول الله قبلتهم، ورسول الله رائدهم، ورسول الله إمامهم، وهم يتوجَّهون معه، والتَّوجُّه معه، هو إدراكٌ للتَّغيير إلى الأفضل، والأفضل لا يعني الأفضليَّة المطلقة، وإنَّما ما يراه الإنسان، ما يرتضيه الإنسان. هذا، إذا وصلت إلى هذه المرحلة من القبول للغيب، ومن القبول للتَّغيير، ومن الإدراك أنَّ هناك اتِّجاهاتٍ مختلفة، هنا تكون قد وصلت إلى الله، وصلت إلى الغيب، وصلت أنَّ هناك غيب.
إذا وصلت إلى هذا المعنى، فستدخل في مراحل مُتعدِّدة، سوف تفهم مفاهيم مُتعدِّدة، سوف تتغيَّر من حالٍ إلى حال، وسوف تدرك أنَّك لا تستطيع أن تصف نهايةً بعد ذلك، فنهاية طريق الإنسان على هذه الأرض، أن يدرك أنَّ هناك غيبًا، أمَّا بعد أن يدرك ذلك، فكلُّ ما يفهمه، هو محاولاتٌ للانطلاق في هذا الغيب، دون تحديد صورةٍ أو شكل.
لذلك، فحين يتصوَّر السَّالك، أنَّ هناك صورةً معيَّنة في طريقه في الله، يجب أن يصل لها، بتصوُّرٍ من قراءاتٍ، أو معتقداتٍ، أو خيالاتٍ، أو أيِّ شكلٍ من الأشكال، فهو يكون قد خرج من الطَّريق في الله.
أن يضع صورةً جماليَّة، أن يتصوَّر أنَّه سوف يُحقِّق كلَّ ما يريد، وأنَّه سيُمنح طاقةٌ ربَّانيَّة، يقول للشَّيء "... كُنْ فَيَكُونُ"[يس 82]، يتصوَّر أنَّه يصبح قادرًا أن يشفي ذاك، وأن يُهلِك ذاك، أو أن تكون له دعوةٌ مستجابة لاتُردُّ، فإذا دعا تحقَّقت فورًا، هذه تصوُّراتٌ وخيالات، ويعبد الله بظنِّ أنَّه سوف يصل إلى هذا الحال، فيكون بذلك قد خرج من الإيمان بالغيب، إلى إيمانٍ بصورةٍ أخرى، وبشكلٍ آخر، وبإلهٍ آخر من صنعه ومن فكره.
هكذا نتعلَّم هذا المعنى: [السَّير إلى الله له نهاية، والسَّير في الله لا نهاية له]، ونتعلَّمها ونتفهَّمها، من تأمُّلنا في آيات الله التي علَّمتنا ذلك، وفي سُنَّة رسول الله الذي علَّمنا ذلك.
فرسول الله الذي يُوحَى إليه، يُعلِّمنا أنَّ قيمة الإنسان على هذه الأرض، أنَّه بشر، "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ..."[فصلت 6]، وأنَّه يسير على الأرض كما تسيرون، يأكل كما تأكلون، ويحزن كما تحزنون، ويعمل كما تعملون، ويمارس حياته كما تمارسون، وهو على ما هو من جمالٍ، ونقاءٍ، ورفعةٍ، ورحمةٍ أعطاها الله له، ونعمةٍ أنعم الله بها عليه، وهدايةٍ هداه الله لها.
هكذا، مع رفعته، ومع جماله، ومع نقائه، ومع نوره، هو بشرٌ يسير على الأرض، يتعرَّض للابتلاء، ويجاهد في سبيل أن يُقدِّم كلمته، وأن يُقدِّم ما أوْحَى الله به إليه، وما أدركه هو من وحي الله له، فيُعلِّم كيف تكون الاستقامة في التَّأمُّل، والتَّدبُّر، والاختيار، وإعمال العقل حتَّى فيما فيه نصّ، فأنت تحتاج إلى فهم النَّصِّ، وإلى تطبيق النَّصِّ، ومن هنا تجد أنَّك ـ كإنسان ـ مطالبٌ بأن تُفَعِّل كلَّ طاقاتك وكلَّ إمكاناتك، فيما هو مشهودٌ لك، وتُكبِر الله عن أيِّ صورةٍ أو شكل.
هذا ما نفهمه من ديننا، ونراه أفضل من وجهة نظرنا، عن مفهومٍ سائد، ولكنَّنا نقول دائمًا أنَّ هذا لا يعني أنَّه الأفضل المطلق، فسنظلُّ دائمًا نبحث عمَّا هو أفضل، وما هو أفضل، وما هو أفضل، دون أن يكون بحثنا تقليلًا ممَّا يفهمه الآخرون، فعلى الآخرين أيضًا، أن يبحثوا عمَّا هو أفضل لهم، وهذه النُّقطة هي منهجٌ، وليست شكلًا نصل إليه.
فليست القضيَّة أن نصل إلى فهمٍ معيَّن، وهذا تكرارٌ لما نقوله دائمًا، ليس المطلوب أن نصل إلى فهمٍ معيَّن، ونقف عنده، ونقول أنَّه ليس هناك أفضل من ذلك، وإنَّما القضيَّة هي في التَّغيير الدَّائم، وفي الفهم الدَّائم، وفي البحث الدَّائم؛ لأنَّك قد تكون قد رأيت جانبًا من الصُّورة، أو زاويةً من الزَّوايا للفهم الواحد، ولكن هذا الفهم الواحد، هذا الكيان الواحد، هذا القيام الواحد، له أوجهٌ كثيرة.
كلُّ كيانٍ له أوجهٌ كثيرة، وعليك أن تنظر من كلِّ الزَّوايا، فلا يعني أنَّك نظرت إلى زاويةٍ أخرى فوجدت إدراكًا أكبر لهذا الكيان، لا يعني أنَّ رؤيتك الأولى لم تكن أفضل من الزَّاوية التي نظرت إليها، وإنَّما حين نقول أفضل هنا، نقول أنَّه شكلٌ آخر إذا أردنا التَّعبير بدقَّة، فهمٌ آخر، رؤيةٌ أخرى، بهذه الرُّؤية الأخرى مع الرؤية السَّابقة، يتكوَّن فهمٌ أعمق للحياة، وللكيان الذي تنظر إليه.
فلو اعتبرنا أنَّ الحياة كيانٌ، وهي ليست كذلك، إنَّما للتَّقريب من الفهم، فنظرتك للحياة، تختلف إذا نظرت إليها من زوايا مختلفة، والمطلوب أن تتحرَّك لتنظر إلى الزَّوايا المختلفة، وهذا ما نقول أنَّه الأفضل.
فالأفضل هنا، هو منهجٌ، مُتغيِّرٌ، متعمِّقٌ، متحرِّكٌ؛ لأنَّك لا تقف ثابتًا في مكانك وتنظر، وإنَّما تطوف حول الكيان، لتراه من زواياه المختلفة، وهذا أيضًا يمكن أن يكون مفهومًا للطَّواف حول البيت، فالطَّواف حول البيت، هو حركةٌ مستمرَّة لتنظر إلى البيت، إلى الحقِّ، إلى الحياة، إلى وجودك، إلى هذا الوجود كلِّه من زوايا مختلفة.
نسأل الله: أن يجعلنا من الذين يطوفون حول البيت، ومن الذين يتغيَّرون ليروا نظرةً جديدة، ووجهةً جديدة، في تغييرٍ مستمرّ، وفي طريقٍ في الله لا ينتهي.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
_______________________ 

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: حديث اليوم، كان عن مفهوم [السَّير إلى الله له نهاية، والسَّير في الله لا نهاية له]، وكيف نفهم هذا القول ممَّا جاءت به آيات الله لنا، عن الغيب، وعن الشَّهادة، عن الله الذي "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"، وعن الإنسان الذي أوجد الله فيه فطرةً، وحكمةً، ووجودًا به أسرارٌ كثيرة، وجعله أهلًا أن يحيط بشيءٍ من علمه، "... لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ..."[البقرة 255]، وعلَّمه أن يبحث، وأن يتأمَّل، وأن يتدبَّر، وأن يتفهَّم ما يراه أمامه، وأن يتحرَّك حتَّى يرى ما يرى، من زوايا مختلفة.
إدراكه أنّهَ بوجوده، لا يستطيع أن يحيط بكلِّ شيء، وأنَّ الله فوق كلِّ شيء، و"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"، وأنَّه الغيب الذي لا يعرفه، ولا يستطيع أن يعرفه، وأنَّه أُمِر بوجوده وبما أعطاه الله، أن يسير في الأرض، فينظر "... كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ..."[العنكبوت 20]، وأنَّ ما يستطيع أن يفهمه لا نهاية له، وأنَّ تصوُّره لما سيصل إليه لا معنى له؛ لأنَّه لا يستطيع أن يعرف نهايته، فهو ليس له نهاية، وقيامٌ متغيرٌ.
وإذا تحوَّل من صورته الحاليَّة، فسيكون في صورةٍ أخرى، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"[الإنفطار 8:6]، توجيهٌ للإنسان أن يُزيل فهمه المقيَّد، بظنِّه في الله على أنَّه في صورةٍ مُحدَّدة، وأنَّ الإنسان في صورةٍ مُحدَّدة، "فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"، فهل تعرف لك إسمًا؟ وهل تعرف لك صورةً؟ وهل تعرف لك نهايةً؟ وهل تعرف قبل كلِّ ذلك، لك بدءًا؟
إنك أيضًا، غيبٌ على أنت، وكلُّ ما تعرفه هو حاضرك، الذي فيه تستطيع أن ترى أشياءً، ورؤيتك لها هي مربوطةٌ بإمكاناتك وقدراتك، فأنت كائنٌ موقوتٌ مُحدَّدٌ بإمكاناتٍ وطاقات، ولكن هذا لا يعني أنَّ هذه الطَّاقات لا تستطيع أن تفعل شيئًا، بل أنَّها تستطيع أن تفعل الكثير، وأن تُغيِّرك إلى الأفضل، وإلى الأقوم، وإلى الأحسن.
والأفضل، هو هو أنت، وليس الأفضل في فهمٍ جديدٍ تفهمه، أو في زاويةٍ أخرى تراها، إنَّما كلَّما ازدادت رؤيتك اتِّساعًا، وازداد فهمك عمقًا، فإنَّ ذلك يُحدِث فيك تغييرًا، فتكون أنت أفضل، تكون أنت أكبر، تكون أنت أقوم، دون أن تعرف ما هي نهاية هذا الأقوم والأفضل والأحسن، بل أنَّك قد لا ترى نفسك أنَّك أقوم أو أحسن، إنَّك متحرِّكٌ في بعدٍ غيبيّ لا تراه.
هكذا نتعلَّم من آيات الله لنا، ومن أحاديث رسول الله إلينا.
نسأل الله: أن يجعلنا أهلًا لقراءة آياته ولفهمها، يومًا بعد يوم، وعمقًا بعد عمق، أن نكون أهلًا لأن نطوف حول بيته، ولأن نطوف في الحياة فنرى أبعادها، ونرى زواياها التي لا نهاية لها، فنتغيَّر من حالٍ إلى حال، ومن قيامٍ إلى قيام، الله أعلم بنا، الله شاهدٌ علينا، الله ورسوله شهداءٌ علينا وعلى النَّاس جميعًا.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نتَّجه إليك، ونتوجَّه إليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.      
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلَّا غفرته، ولا همًّا إلَّا فرَّجته، ولا حاجةً لنا فيها  رضاك إلَّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.
        
_______________________

(1)    مقولة صوفية.

(2)  هذه المقولةُ وردتْ عن عليٍّ رضِي الله عنْه قالها لعبد الله بن عبَّاس، لمَّا بعثه للاحتِجاج على الخوارج، قال له: "لا تُخاصِمْهم بالقُرآن؛ فإنَّ القُرْآن حمَّالُ أوجُه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكنْ حاجِجْهم بالسنَّة؛ فإنَّهم لن يَجدوا عنْها مَحيصًا".

-ومنْها قولُ ابن عبَّاس: "القُرآن ذو وجوه؛ فاحْمِلوه على أحسنِ وجوهِه" (أخرجه أبو نعيم). 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق