حمداً
لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد
لله، والحمد دائماً لله، والشكر دائماً لله، والصلاة والسلام دائماً على رسول الله.
عباد
الله: حين نقرأ المشهد
الذي نحن فيه، ونجد أناساً يفكرون ويفعلون أفعالاً لا نقبلها، ولا نقرها، ونتعجب,
كيف يمكن لإنسانٍ أن يتحول إلى قوةٍ مدمرة، كيف يغيب العقل، ويغيب القلب، ويغيب
الضمير ـ فإن ذلك يجعلنا نتأمل في خَلق الإنسان، وكيف أن ما لا يعجبنا، يعجب آخرين،
ويرون فيه طريق الصلاح والفلاح.
هكذا
هو الإنسان، كل إنسانٍ يعمل ما يعتقد أنه الحق، وقد يصل الاعتقاد في الحق إلى
أمرين متناقضين تماماً. حين يرى الإنسان ذلك، يتأمل، يتأمل فيما هو قائمٌ عليه،
ويسأل نفسه، أين أنا من هذا؟ وهل أطمئن إلى ما أنا قائمٌ عليه؟
إنه
سؤالٌ، يجب أن يسأله كل إنسانٍ لنفسه. فإذا سألنا أنفسنا هذا السؤال، كيف نجيب
عليه؟ ما هو الطريق الذي أُرشِدنا إليه؟ وما هو السلوك الذي تعلمناه من آيات الحق
لنا، وهو يكشف لنا عما في نفوسنا؟
نجد
أن فيما يخص الإنسان، مسئوليته فيما يعتقده، "بَلِ
الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ"[القيامة
14]. ما
يخصه في حركته على هذه الأرض، في سلوكه الخاص به، فيما يحب وفيما يكره، فيما له
علاقةٌ بعباداته، ومعتقده المعنوي والغيبي، في سلوكه الفردي ـ فإن ذلك يرجع إلى ما
يعتقد أنه الخير، وأنه الصلاح، وأنه الفلاح.
أما
إذا كان تعامله مع الآخرين، مع إخوانٍ له في المجتمع، أياً كانت صورتهم، وأياً
كانت معتقداتهم، فإن ذلك، لا يكون إلا بالذي هو أحسن، "وَلَا
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..."[العنكبوت
46]. وأهل
الكتاب هنا، يشمل أيضاً، من تنتمي أنت إليهم. فإذا كان هناك من يعتقدون في نفس
الكتاب الذي تعتقد فيه، فإنهم أهل كتاب، حتى وإن اختلفت معهم. فالقاعدة هنا، أن
الجدال لا يكون إلا بالتي هي أحسن.
"..يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ
نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ..."[آل
عمران 64]. وهنا،
حين تكون العلاقة بينك وبين الآخرين، لا تكون أبداً بعنفٍ أو قتلٍ أو ترويع، حتى
مع الذين تعتقد أنهم كافرون بما تعتقده أنت، "قُلْ
يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ
عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ
عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"[الكافرون
6:1].
فهل
يجهل الذين يفجرون أنفسهم ويقتلون الآخرين, هذا؟ إنهم يعلمونه ويعرفونه، ولكن مع
ذلك يقومون به. ومن هنا، ندرك أن الإنسان، يمكن له أن يَقلِب الأمور كلها، وأن يُحوِّل
كل مفهومٍ إلى ضده، وكل قضيةٍ إلى عكسها. وهذا, ما حدث من قديم. فالذين يقرأون "...وَمَن
قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا..."[الإسراء
33]،
فسروا هذه الآية في قديم، بأن من حقهم أن يحاربوا الذين قتلوا عثمان، وأن هذا، ما
أمر به الله.
وهكذا،
تُتَرجَم الآيات بصورةٍ مختلفةٍ تماماً، ويفعل هؤلاء مثل ذلك. فحين يدمرون، فإنهم
يأخذون بالقصاص لمن قُتِلوا. وحين يحرقون، فإنهم يدافعون عن حق سُلِب منهم. وهكذا،
تتحوَّل الأمور.
فالمعيار
هنا، الذي يمكن أن يستخدمه الإنسان لنفسه، هو ألا يجعل فعله، فعلاً فيه أذىً لآخرٍ،
دون أي سببٍ، أو حتى لأي سببٍ. عليه، أن يجعل هذا مرده إلى المجتمع، وإلى قانون
المجتمع، وإلى من يطبق قانون المجتمع. إنه بذلك، يبعد نفسه عن الهوى، لأن لو ترك
الإنسان نفسه لهواه، لأسرف في الانتقام.
فمهما
كان الفعل الذي يسيئ للآخرين، مُبَرَّراً من وجهة نظرك، فيجب أن تقاوم نفسك أن
تقوم به، وإنما تعطي هذا الحق للمجتمع وقانونه، ومن ينفذ هذا القانون. وهذا، ما
وصلت إليه البشرية بعد تجارب مريرة، في تاريخ كل الشعوب، حين كان كل فردٍ، يريد أن
يُقيم ما يعتقد أنه الحق، دون تواصٍ بحقٍ أو بصبرٍ.
لذلك،
نجد الآية الكريمة "...مَن قَتَلَ
نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا..."[المائدة 32].
فكيف تُحمِّل نفسك هذا القدر
من الفعل السيئ؟ إنا نخاطب أنفسنا. أما الآخرون, الذين يفعلون هذه الأمور المُروِّعة،
فقد وصلوا إلى حالٍ لا يسمعون، ولا يبصرون.
إنا
نخاطب أنفسنا، حتى في أصغر الأمور التي قد تمسنا، كسلوكٍ لنا في طريقنا، أن نراقب
أنفسنا، وأن نحاسب أنفسنا, فيما يصدر عنا تجاه الآخرين. مراقبة النفس، وحسابها،
ومحاسبتها، هي أساس السلوك للإنسان الذي يريد أن يصفو، وأن يعلو، وأن يعرج، وأن
يتطهر، وأن يسمو، وأن يكون إنساناً صالحاً.
إن
عيسى ــ عليه السلام ــ يوم ركَّز على ألا يصدر من الإنسان أي فعلٍ فيه ضررٌ للآخر،
فإنه أشار إلى هذا الأمر، [من ضربك على خدك الأيمن، فاعطه خدك الأيسر](1)، لا ترد عليه، لا تبادله ضرباً بضرب، وعنفاً بعنف.
إشارةٌ، إلى أن الإنسان، عليه أن يراقب نفسه، ألا يصدر عنه ما يؤذي الآخرين، أياً
كان الحال.
فإن
لم يستطع الإنسان أن يكون كذلك، فعليه ألا يُسرف في رد فعله، "وَإِنْ
عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ..."[النحل
126]، "...فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ..."[الشورى
40]، "...وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ..."[آل
عمران 134]، "وَعِبَادُ
الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ
الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"[الفرقان
63]، وخطاب
الجاهلين، هو أذىً لهم، ولكنهم لا يردون إلا بالسلام.
عباد
الله: علينا، أن نراقب
أنفسنا، وأن نُعمِل عقولنا وقلوبنا، وأن نعرف أن مسئولية الإنسان تجاه الآخرين،
مسئوليةٌ كبيرة. فعلينا، أن نتوخى الحذر في أي قرارٍ فيه عنفٌ، وفيه ضررٌ لأي
إنسانٍ آخر، حتى لا نسير في هذا الطريق, الذي يُبَرَّر فيه العنف والقتل والترويع، بكل صورةٍ، وبكل شكل.
هكذا،
نتعلم مما يحدث حولنا، لنرى قبح ما يمكن أن نكون عليه، إذا كنا في هذا الحال، وإذا
لم نكبح جماح نفوسنا وأنفسنا، من أن تنطلق بما فيها من ظلام، مدمرةً، مُروِّعةً،
قاتلةً.
نسأل
الله: الهداية للناس أجمعين، ولأن يرجع الجميع إلى الحق فيهم، وأن يتعلموا أن طريق
العنف والترويع لن يؤدي إلى شيء، وإنما سيؤدي إلى هلاك النفوس القاتلة قبل
المقتولة، وإلى طريقٍ مسدود لا نهاية له، ولن يؤدي إلى أي نتيجةٍ مَرجُوَّة، إنما
هو عبثٌ وعبث. هذا, ما نسأله ونرجوه، الهداية للناس أجمعين.
نسأل
الله: أن يجعل منا أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمةٍ، لأرضنا، ولبلدنا.
فحمداً
لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
_______________________
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد
الله: ما أردنا أن
نقوله اليوم: أن علينا أن نتعلم مما يحدث حولنا، أن نتعلم درساً نخاطب به أنفسنا،
في أن نراقبها، حتى لا تجنح إلى الانتقام والغضب، دون ضابطٍ أو رابطٍ، أو وازعٍ من
ضميرٍ ومن عقلٍ ومن حكمةٍ.
أن
نعرف، أن طريق الحق للإنسان، هو في أن يتعامل مع الله، في معاملته مع خلقه. فلا
يؤذي أحداً، ولا يُروِّع أحداً، ولا يقتل أحداً، مهما كانت الأسباب. بل أنه لا يجب
أن يؤذي حتى بكلمة أو بنظرة أو بنية، أي إنسانٍ آخر.
فهذا
الطريق، الذي يبدأ بتبرير الأذى للآخرين، طريق ندامة، وطريق خسارة، وطريقٌ، إذا
سلكه الإنسان، قد لا يخرج منه، وهذه هي الخطورة.
فإذا
كانت الأحداث، تمثل هذا الحال، الذي فيه طاقة العنف، وطاقة القتل، وطاقة الانتقام،
كبيرة، فإن هذا حديثٌ مُجسَّم، مكبر، حتى نرى مدى الأذى الذي يمكن أن يصيب إنساناً،
إذا سلك هذا الطريق، ولو بقدرٍ أقل بكثير مما يحدث. فنحن نقرأ من الأحداث، حديثاً
لنا، ورسالةً لنا، أن نكون أكثر مراقبةً لأنفسنا، وأكثر محاسبةً لها.
نسأل
الله: أن يهدينا جميعاً، والناس أجمعين، إلى طريق الحق والصلاح والفلاح، وأن نكون
أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة، لنا، ولمن حولنا.
اللهم
وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم
ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا
منجى منك إلا إليك.
اللهم
فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم
ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم
اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم
لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً فيها
رضاك إلا قضيتها، ولا ظلاماً إلا رفعته، ولا ظلماً إلا كسرته، ولا عنفاً إلا رفعته.
اللهم
فاجعلنا في طريقك سالكين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم
ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا
أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.
خطبة الجمعة 23 ربيع الأول 1435هـ الموافق 24 يناير 2014م
____________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق