حديث الجمعة
26 ربيع الأول 1438هـ الموافق 15 ديسمبر 2017م
26 ربيع الأول 1438هـ الموافق 15 ديسمبر 2017م
السيد/ علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول
الله.
الحمد لله، والحمد دائماً لله، والشّكر دائماً لله، والصّلاة
والسّلام على رسول الله.
عباد الله: "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ
نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ..."[البقرة 286]، قانونٌ إلهيّ، يوضّح لنا خَلْق
الإنسان وما يملكه من طاقاتٍ وإمكانات. كلّ نفسٍ لها وسعها ولها إمكاناتها، تأخذ
من الحقيقة بقدر سعتها، وتبذل فيما تفعل بقدر إمكاناتها. فلا يستطيع إنسانٌ أن
يستوعب أكثر من سعته، ولا يستطيع إنسانٌ أن يبذل أكبر من طاقته.
والمصدر الذي ننهل منه جميعاً، هو مصدرٌ واحد، هو ما
متاحٌ لنا من علمٍ على هذه الأرض، "... وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ
إِلاَّ بِمَا شَاء ..."[البقرة 255]، فكان الظّاهر من العلم وما يمكن أن نكتشفه بحواسّنا
وبالأدوات التي نبدعها، هو هذا العلم الذي شاء الله لنا أن نحيط به، ومع ذلك، لا
يستطيع إنسانٌ واحدٌ أن يُلِمّ بكلّ هذا العلم، وإنّما يأخذ الإنسان بسعته كما
أشرنا.
فالعلم واحدٌ، ولكن إدراكنا لهذا العلم متعدّد. وإذا كان
هذا العلم ينقسم إلى مفرداتٍ، وإلى علومٍ في تخصّصاتٍ مختلفة وفي مجالاتٍ متعدّدة،
فالمجال الواحد أيضاً لا يستطيع إنسانٌ أن يستوعبه كلّه، وإنّما يستوعب جزءاً منه،
ويراه من زاويةٍ معيّنة، وقد يراه آخرٌ من زاويةٍ أخرى.
فالعلم في إطلاقه واحدٌ، والعلم في تقييده متعدّدٌ،
وهكذا الدّين كقانون الحياة، هو قانونٌ واحد في معناه المطلق، ولكن حين يتفهّمه
النّاس ويقرؤونه، فإنّه يتعدّد في قراءاتهم وفي مفاهيمهم. فالخلط بين أن نقول علماً واحداً وقانوناً واحداً، وبين
أن نحاول أن نجعل فهم هذا الواحد، هو واحدٌ أيضاً، هو خلطٌ يسبّب كثيراً من
المشاكل.
إنّه كالفارق
بين التّوحيد للمعنى المطلق، وبين التّعديد في المعنى المقيّد. إنّها قضيّةٌ
واحدة، تتكرّر بصورٍ مختلفة. فإرادة الله واحدةٌ في إطلاقها، "... وَلَوْ شَاء
رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ..."[الأنعام 112]، وحين تتنزّل هذه الإرادة إلى
مجال التّقييد، تتعدّد في إرادات الأفراد الذين تتعدّد رؤاهم، ويحدث بينهم اختلافٌ
في الرّؤى، وفي الفعل، وفي المقصد، وفي التّفضيل والتّقبيح، فيما هو أحسن وفيما هو
ليس كذلك، في الصّراع، في القتال، في المنافسة، في كلّ شيء. حتّى الذين هم في جانبٍ
واحد، رؤاهم تختلف فيما هم فيه قائمون، فلا يوجد هناك حلٌّ واحد لكلّ قضيّة، وإنّما هناك حلولٌ مختلفة، وإن كان
المقصد واحداً.
لو أدركنا هذه الحقائق، لاستطعنا أن نتفهّم كثيراً من
الأمور، فلا نخلط ـ كما نقول دائماً ـ بين المطلق والمقيّد. فالمطلق واحدٌ؛ لأنّنا لا نراه،
والمقيّد متعدّدٌ؛ لأنّنا نراه. فليس هناك واحدٌ إلّا الله في تعاليه، وفي
احتجابه، وفي غيبه. ولا قائمٌ من وراء الكلّ بإحاطته ـ في تعدّدهم ـ إلّا الله في
تجلّيه بظاهره في هذا الكون.
فلا يجب أن نخلط بين ما هو مطلقٌ وما هو مقيّد. لا
نستطيع أن نقول أنّنا نريد أن نحوّل المقيّد ليكون واحداً؛ لأنّه لن يكون. ولا
نستطيع أن نحوّل الواحد إلى متعدّد، أو الغيب إلى متعدّد، أو المطلق إلى متعدّد؛
لأنّه لن يكون؛ لأنّنا لا نراه بظاهر حواسّنا وإدراكنا، وبما أنّنا لا نراه، فهو
واحدٌ. وبما أنّنا لا نستطيع أن نصفه بصفاتٍ، فصفاته فوق كلّ صفةٍ وكلّ تصوُّرٍ،
فهو أحدٌ؛ لأنّه "... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ..."[الشورى 11]، وهذا هو الفارق بين الواحد
والأحد.
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ،
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"[الإخلاص 4:1]، هذه السورة ركّزت على مفهومين
أساسيّين: معنى الأحد الذي لم يكن له كفوا أحد، وهو التّفرّد كغيبٍ؛ لأنّك لا
تستطيع أن تصفه بأيّ أحدٍ تراه، وكلمة أحدٍ في "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"،
تعبّر عن هذا المعنى المطلق، وهذا التّفرّد المطلق.
وكلمة أحدٍ في "وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"،
تعبّر عن الأحد كما تراه وكما تعرفه، تعبّر عن الفرد، تعبّر عن الإنسان، تعبّر عن
المشهود. إذا كان هناك ما تتصوّر أنّه أحدٌ فيما تشهده بأيّ صورةٍ، فهي ليست كفوا
لهذا الأحد المطلق.
لو تصوّرت أنّ هناك من هو قائمٌ على هذه الأرض ليس كمثله
أحد، متفرّدٌ في قوّته، متفرّدٌ في ذكائه، متفرّدٌ في قدراته، متفرّدٌ في كرمه،
متفرّدٌ في كلّ شيء ـ فالله أكبر، وليس هذا الذي تراه، في معنى الأحد الذي هو غيبٌ
لا تراه، تعالى عن أيّ صورةٍ وعن أيّ شكل.
هذا التّفرّد، يجعلك لا تستطيع أن تقول أنّ الله قال كذا،
أو أنّ الله يريد كذا، أو أنّ هذا حكم الله، يمتنع عليك ذلك عقلاً وصدقاً؛ لأنّك
تخشى الله، و "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاء ..."[فاطر 28]، أمّا الذين لا يخشون الله، فإنّهم يقولون هذا
رأي الله، وهذا حكم الله، وهذا كلام الله، وهذا فعل الله ـ وهم لا يعرفون أنّ كلّ
ما يقولون، يوم يحدّدونه في شكلٍ أو صورة، فهو رؤيتهم وكلامهم ورأيهم.
الله في كلّ صورةٍ وفي كلّ شكل، وتعالى عن كلّ صورةٍ وعن
كلّ شكل، هو من وراء كلّ صورةٍ وكلّ شكل، وهو دون كلّ صورةٍ وكلّ شكل، وهو فوق كلّ
شيء ودون كلّ شيء، وقبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء، [يا ظاهر فليس فوقك شيء، ويا
باطن فليس دونك شيء، ويا أوّل فليس قبلك شيء، ويا آخر فليس بعدك شيء](1).
المعنى الآخر، هو معنى الصّمد، "قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ"، والصّمد هو من لا أوّل له ولا آخر له، "لَمْ
يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ"، فالصّمد يُعبَّر عنه بهذا المعنى، "لَمْ
يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ"، إنّه معنىً مجرّد، لا يمكنك أن تتصوّره في وجودك
المادّيّ.
فأنت في وجودك المادّيّ ترى السّبب والمسبّب وأثر هذا
السّبب، وتجد أنّ لكلّ شيءٍ مسبّباً ولكلّ شيءٍ سببأً في وجوده، ولكنّك إذا رجعت
إلى الوراء، فإنّك لا تستطيع، حتّى في الموجودات، أن تعرف كيف وُجِدت، فأنت وجدت
نباتاً، ثم عرفت أنّ هذا النّبات يتكاثر، وعلمت كيف يتكاثر، فجعلته يتكاثر، لكنك
لا تعرف كيف تواجد هذا النّبات في أوّل الأمر، ولا تعرف كيف تواجد الإنسان في أوّل
الأمر.
وكلّ النّظريّات في هذا المجال، هي نظريّاتٌ قد تجد بعض
ما يفسّرها فيما يجده العلماء من آثارٍ قديمة، لكن في كلّ هذه الأحوال، وماذا قبل
ذلك؟ فإذا ظللت تسأل ماذا قبل ذلك؟ ما أوجد ذلك؟ ما أوجد ذلك؟ سوف تصل إلى الغيب،
لا أعرف، سوف تصل إلى نقطةٍ لا تعرف ما قبلها، وهذا معنى الصّمد في الظّاهر وفي
الغيب، لا نستطيع أن نعرف.
وهذه هي بداية المعرفة، أن تعرف أنّك لا تستطيع أن تعرف،
وأنّك لك حدودٌ في أن تعرف، وأنّ هذه الحدود قد تتّسع وقد تضيق طبقا لسعتك، ولكنّك
مهما اتّسعت ـ كقيامٍ مقيّد ـ فإنّ لك حدود، وأنّك تعمل في نطاق قانونٍ لا تستطيع
أن تخرج عنه، وأنّ معنى العبوديّة لله، هي أن تدرك هذا القانون الذي تستطيع أن
تدركه.
وهذا التّعبير، نجده في آياتٍ أخرى، "يَا مَعْشَرَ
الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ"[الرحمن 33]، فـ "أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ"، هي قضيّةٌ نسبيّة، تعني أنّك ربّما فكّرت في أنّك لا
تستطيع أن تبعد عن هذه الأرض إلّا مسافةً معيّنة من النّاحية الظّاهرية.
ولكنّك بعد ذلك استطعت أن تطلق صاروخاً وسفينة فضاء إلى
كواكب أخرى، ما كان يَتصوَّر أحدٌ أن يصل إلى القمر، أو أن تصل سفينةٌ إلى المرّيخ،
أو إلى أيّ كوكبٍ آخر، أو أن تخرج من نطاق المجموعة الشّمسية، ولكن كلّ ذلك ليس شيئاً،
إنّها كقطرةٍ في بحر، وكمسافةٍ صغيرة، صغيرة جداً بالنّسبة للانهائية المسافات في
الكون. فإن استطعت أن تنفذ من هذا القطر، فانفذ، كلّما استطعت أن تنفذ فانفذ.
وكلّما استطعت أن ترى ما هو صغير،ٌ فحاول ذلك. ولذلك،
اخترع النّاس أو العلماء، الأدوات التي تمكّنهم من رؤية جزيئات المادّة في أقلّ
مكوناتها التي يعرفونها. إن استطعت أن ترى ما في داخل المادّة فحاول أن تنفذ إلى
ما هو صغير، كما تحاول أن تنفذ إلى ما هو كبير، وفي كلتا الحالتين لن تصل إلّا بما
أنت له أهل، وسوف تصل إلى نقطةٍ ـ بالنّسبة لك ـ تجدها حائلاً، فإذا حاولت أكثر،
ربّما تتقدّم، ولكن ستظلّ كذلك إلى ما لا نهاية.
"اللَّهُ الصَّمَدُ"، من هنا ندرك معنى الغيب الذي "...لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ..."، الواحد، الأحد، الصّمد، الظّاهر، الباطن، "وَلِلَّهِ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا..."[الأعراف 180]، معانٍ غيبيّةٍ كلّها، فهو
رحمن ورحيم، ولا تستطيع أن تتصوّر رحمته. وهو جبّارٌ، لا تستطيع أن تتصوّر جبروته.
وهو حليمٌ، لا تستطيع أن تتصوّر حلمه. وهو سميعٌ، لا تستطيع أن تتصوّر معنى أنّه
سميع. كلّ الأسماء هي معانٍ غيبية بالنّسبة لنا.
ويوم تتجلّى هذه المعاني علينا في واقعنا، فإنّنا نرى
منها وجوهاً ظاهرةً لنا، فنرى وجهاً من رحمته في رحمته بنا، ونرى زاويةً من توفيقه
في توفيقه لنا، ومن رعايته فيما نرى من رعايةٍ لنا، وفي معناه كحسيب فيما يحدث لنا،
ورقيب يوم نشعر به يرى ما نفعل. فنحن نرى تجلّي هذه المعاني، ولكنّنا لا نستطيع أن
نحيط بها. وكلٌّ يراها كما يشعر بها، وكما يتصوّرها، وكما يستوعبها.
عباد الله: علينا أن نتفهّم أنّ طريقنا،
هو أن نكون صادقين مع ما أوجد الله فينا من قدراتٍ وطاقات؛ لأنّها هي الشّيء
الوحيد الذي نملكه، وهذا معنى من معاني: [إستفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك وإن
أفتوك](2)؛ لأنّ ما تراه أنت أنّه الأحسن ـ بالنّسبة لك ـ هو كذلك،
وفي نفس الوقت، عليك أن تستمع إلى القول، فربّما يغيّر استماعك للقول وجهة نظرك.
قبولك لأن تتغيّر هو أمرٌ أساسيّ. فلا يعني أنّك مسئولٌ
عن نفسك وعن وجودك، وأنّ ما تعلمه، هو ما هو واقعٌ بالنّسبة لك، ألّا تطلب العلم،
وألّا تطلب التّغيير، بل إنّ ذلك يجعلك أكثر طلباً للعلم، وأكثر طلباً لأن تتغيّر.
"الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ ..."[الزمر 18]، فاسمع أوّلاً، واختر ثانياً، ولكن لا تغلق أذنيك،
ولا تغلق عينيك، إنّما إقرأ واسمع وتعلّم، وغيّر ما في نفسك إلى الأفضل، بما ترى
أنّه الأفضل، وقد تسمع قولاً لا ترى فيه أنّه الأفضل، فلا تتّبعه، واتّبع ما ترى
أنّه الأفضل.
هكذا يسلك الإنسان على هذه الأرض، ويحيا الإنسان على هذه
الأرض، ويكسب الإنسان حياته على هذه الأرض.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفّقنا لما فيه
خيرنا، ولما فيه صلاحنا، وأن يغفر لنا إن نسينا أو أخطأنا، وأن يجعلنا من "الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ..."، ومن الذين
يرجعون إلى الحقّ، فالرّجوع إلى الحقّ فضيلة، وأن نكون دوماً لله مستغفرين، وله
طالبين، وله ذاكرين، وعنده محتسبين.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول
الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أنّ
الواحد هو الله، هو الغيب، هو المطلق، هو الذي "... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..."،
وأنّ هذا الغيب يوم يتجلّى علينا في الشّهادة بقانونه، فهو يتعدّد؛ لأنّنا نتباين
في قدراتنا وفي رؤيتنا وفي سعتنا، فنأخذ ممّا نراه بقدرنا وسعتنا وقدراتنا.
وسعتنا متغيّرة، كما علّمنا الحقّ عن قانونه، "لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ...". ويوم علّمنا أنّ هذه
السّعة تتّسع "... إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ".
وعلّمنا كذلك أنّ ما نفهمه يتغيّر، "... إِنَّ اللّهَ
لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ..."[الرعد 11]، فأنت مطالبٌ في دوام أن تغيّر
ما بنفسك، وهذا التّغيير يعني ـ من أحد معانيه ـ: الزّيادة، والاتّساع، وتنقية
مفهومك من الشّوائب، وتنقية أعمالك من الخطايا، من الأفعال التي تعود عليك سلباً ـ
هذا أمرٌ مطلوب.
فإذا كنّا ندرك أنّ ليس لنا من ديننا أو من قانون الحياة
لنا، إلّا ما وقر في قلوبنا، وإلّا ما أدركته عقولنا، وإلّا ما استراحت له ضمائرنا
ـ إلّا أنّ هذا الذي تستريح له ضمائرنا، وتدركه عقولنا، ليس هو الحقّ المطلق، إنّما
هو ما نراه اليوم أنّه الحقّ، ونعلم أنّه متغيّر، فعلينا ألّا نعبد صنماً من فعلنا،
وإنّما نقول: هذا ما نستطيعه اليوم، ونعدّ أنفسنا لأن نغيّره غداً، إذا وجدنا ما
هو أفضل وأحسن وأقوم.
هكذا نتعلّم دائماً. نتعلّم أنّ بحثنا عن الحقيقة، هو من
خلال ما نستطيع أن نشهده، وما نستطيع أن نراه، وما نستطيع أن نفهمه. وهذا الفهم
يتباين، فليس هو فهماً واحداً، وليست هي صورةً واحدة، وإنّما كلٌّ له قدرته التي
تمكّنه من أن يتفهّم أمراً، وأن يعمل بما فهمه وبما قام فيه.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون عباداً له
صالحين، في طريقه سالكين، ولوجهه قاصدين، معه متعاملين، وعنده محتسبين.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما
عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك،
ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين،
عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل
باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.
______________
(1)
جاءت فاطمةُ إلى النَّبيِّ ـ
صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ـ تسألُهُ خادمًا، فقالَ لَها: " قولي:
اللَّهمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ، وربَّ العرشِ العظيمِ، ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ منزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ، فالقَ الحبِّ
والنَّوى، أعوذُ بِكَ من شرِّ كلِّ شيءٍ أنتَ آخذٌ بناصيتِهِ، أنتَ الأوَّلُ فليسَ قبلَكَ شيءٌ، وأنتَ الآخِرُ فليسَ بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شيءٌ، اقضِ عنِّي الدَّين، وأغنِني منَ الفقرِ" الراوي: أبو هرير، المحدث :الألباني، المصدر: صحيح الترمذي، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
-
كما ورد في الوظيفة للسيد أبو الحسن الشاذلي:
"...وحقِّقني بذلك، على ما هُنالك، بتحقيق الحقِّ الأولِ والآخِر والظاهرِ والباطنِ،
يا أوَّلُ فليس قبلَك شيءٌ، يا آخرُ فليس بعدك شيء، يا ظاهرُ فليس فوقك شيء، يا باطنُ
فليس دونَك شيءٌ، اسمعْ نِدائي في بقَائي وفَنَائي بما سمعتَ به نداءَ عبدك زكريّا...".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق