السبت، 28 أبريل 2018

فطرة الإنسان والكون والرسل والأنبياء وعباد الله الصالحين هم معاني مستمرة لرسول الله


حديث الجمعة 
11 شعبان 1439هـ الموافق 27 أبريل 2018م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
الحمد لله، الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه، وجعل لنا بيننا حديثًا متّصلًا نتواصى فيه بالحقّ والصّبر بيننا، نتأمّل ونتدبّر آيات الله لنا، في كتابه، وفي الآفاق، وفي أنفسنا ـ لعلّنا نكون أهلًا لنتعلّم الحقّ، ونرى الحقّ، في الآفاق وفي أنفسنا.
وإذا كنّا نتحدّث دائمًا عن استمراريّة رسالة الله إلى الأرض، فإنّنا نتكلّم عنها بمفهومٍ شامل، لا نحصر رسالة الله إلى الأرض في الرّسالات السّماويّة، ولا في الرّسل الذين جاءوا حاملين هذه الرّسالة، بذواتٍ لهم بشريّة، وإنّما هي رسالةٌ مستمرّة من الأزل إلى الأبد. تتغيّر الوسائل التي يتواصل بها الحقّ مع الإنسان، وكانت الرّسالات بظهور رسلٍ في ذواتٍ بشريّة، هي صورةٌ من هذه الصّور.
والصّورة التي كانت، وهي كائنةٌ، وستكون في دوام، هي فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، والتي عبّرت عنها الآيات في معنى: "وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ..."[البقرة 31]، فما كان تعليم الله لآدم، إلّا هو الفطرة التي فطر الإنسان عليها، وهذه الرّسالة دائمةٌ وقائمةٌ في كلّ إنسان، "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ..."[الإسراء 70]، "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"[الأحزاب 72]. فالإنسان، كان ظلومًا جهولًا، وحين حمل الأمانة تغيّر حاله إلى أنّه أصبح منيرًا عالِمًا.
      وكذلك، خلق الله الكون بقانونٍ، ليتعلّم منه الإنسان، فجعله يتفكّر في آيات هذا الكون وفي قوانينه، فأصبح الكون هو رسولٌ ـ أيضًا ـ للإنسان، بما يحمله من آياتٍ، وبما يحمله من قوانين وأسباب.
      وهذا، هو تأمُّلنا في معنى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ..."[فصلت 53]. فمعنى الرّسول، قائمٌ منذ آدم، بفطرة الإنسان، وبأمانة الحياة ـ وهو أيضًا قائمٌ في هذا الكون، بما فيه وبما يحمله من رسائل إلى الإنسان.
وهناك بعدٌ آخر، وهو الرّسالات السّماويّة بالذّوات البشريّة، والتي ظهرت على مرّ العصور، والتي اكتملت بظهور الرّسالة المحمّديّة، وأصبح التّواصل من خلال الرّسل على هذه الأرض، يحمله العلماء، [علماء أمّتى كأنبياء بني إسرائيل](1)، فمعنى الرّسالة ـ أيضًا ـ مستمرٌّ بهذا الفهم وبهذا التّواصل، للعلماء الذين مُنِحوا قدرةٌ على تقبّل آيات الله في الآفاق، ومن أنفسهم أيضًا.
      لذلك، حين نرى النّاس وهم يحاولون أن يوقفوا هذا التّواصل، وهذا النّبع الدّائم، وهذا النّور المستمرّ، عبّرت عنهم الآيات: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"[الصف 8]، "... وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ..."[الأنعام 122].  
هذا ما نفهمه في معنى استمرار الرّسالة الإلهيّة، وفي استمرار التّواصل بين الغيب والشّهادة، وهذا ما نفهمه حين نقول: معنى رسول الله، ولا نقول: ذات رسول الله. فمعنى رسول الله، هو كلّ هذه الأدوات التي تنتقل الحقيقة بها إلينا.
والإنسان، عليه أن يعدّ نفسه دائمًا لهذا التّلقّي. وإعداد الإنسان لنفسه، لا يكون إلّا بمجاهدتها، وبذكر الله المستمرّ، وبالتأمّل والتفكّر والتدبّر، وفي التّواضع لله، وفي خشية الله، "... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ..."[فاطر 28].
عباد الله: إنّنا نذاكر دائمًا في خشية الله، وفي تقوى الله؛ لأنّنا بذلك، نعرّض أنفسنا لرحمة الله. فالإنسان، لن يكون أهلًا لتقبّل رحمة الله، إلّا بخشيته، وإلّا بافتقاره، وإلّا بتواضعه ـ وهذا هو السّلوك في الطّريق، سلوك الفقراء المفتقرين إلى الله، الدّاعين إلى الله، الذّاكرين لله، المتحابّين في الله.
نذاكر أنفسنا بذلك دائمًا، ونحن في شهر رسول الله كمعنى ـ كما أشرنا ـ وقد جعل الله لنا من الشّهور رموزًا، بأحاديث رسوله، [رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر النّاس](2)، فكلّما مرّ الزّمان واستدار، وجاءت هذه الشّهور الزّمنيّة، كان ذلك سببًا في أن نتذكّر معنى هذا الشّهر، ومعنى هذا الإشهار، ونتذاكر به بيننا. أما ذكره في داخلنا، فهو قائمٌ دائم، وهذا ما عبّر عنه القوم بقولهم: [لو غاب عنّي رسول الله طرفة عين، ما عددت نفسي من المسلمين](3).

علينا أن نذكّر أنفسنا دائمًا، وأن نتذاكر بما نتعلّمه، وبما نتفهّمه، وبما نقرأه من رسالات الحقّ لنا، في وجودنا، وفي قيامنا، وفي جمعنا ـ حتّى نفيق إلى الحقيقة بين جوانحنا، وحتّى نتعلّم كيف نكون عبادًا لله صالحين.

عباد الله: نسأل الله دائمًا: أن يوفّقنا أن نكون أهلًا لرحمته، وأهلًا لنعمته، وأهلًا لعلمه وحكمته، وأن يجمعنا على الخير، ويوفّقنا للخير، ويجعلنا أهلًا للخير.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أنّ رسالة الله قائمةٌ في دوام، وأنّ رسائل الله تجيئ لنا في دوامٍ، في الآفاق، وفي أنفسنا، وفي رسله وأنبيائه، وعباده الصّالحين، إنّها رسالةٌ دائمة من قديمٍ إلى حاضرٍ إلى قادم، فلا يجب علينا أن نغفل عن قراءة الرّسائل التي تُرسَل إلينا في دوام، بظنّ أنّ نكتفي بما كان في قديم، ولا يجب أيضًا أن نُغفِل القديم، بظنّ أنّ الجديد يجبّه ويلغيه. العلاقة بين الجديد والقديم، أنّ الجديد يوضّح القديم، ويكشف ما فيه من أمورٍ كانت مبهمة في وقتها.
وهذا مثل كلّ شيءٍ في الحياة، فكثيرٌ من القوانين الطّبيعيّة، كانت مجهولةً ومبهمةً في قديم، وجاء الحاضر ليكشفها ويوضّحها. ففي القديم كانت كثيرٌ من الأمور غير واضحةٍ، وإنّما يأخذها الإنسان بشكلٍ مجرّد. وآيات القرآن فيها الكثير من ذلك.
فحين تتحدث الآيات عن خَلْق الإنسان في رحم أمّه، تتحدّث عن أطوارٍ، كان الذين يردّدون الآيات في وقتها، يأخذونها كمعنىً إجماليّ، ووضَحت الصّورة أفضل في هذا العصر، وإن كانت ـ أيضًا ـ هي مجملةٌ، فكثيرٌ ممّا يحدث في داخل الإنسان لا زال مجهولًا عليه.
وكذلك، آياتٌ كثيرة أيضًا، في التّعامل بين النّاس، وفي علاقات النّاس بعضهم ببعض، بين من يفهم أمرًا أو يؤمن بدينٍ، ومن يؤمن بدينٍ ـ في ظنّه ـ آخر، كيف تكون العلاقة بينهما؟ هناك حديثٌ قديم، يفهمه النّاس بصورةٍ قديمة وبتفسيرٍ قديم، وهناك تفسيرٌ حديث، يرى الأمور ويقرؤها في ظلّ أوضاعٍ مختلفة عن القديم، وهناك من يُصرّ على قراءتها بوضعٍ حدث في سابق.
الذي يتعلّم القراءة، سوف يستطيع أن يوفّق بين القراءة السّابقة والقراءة الحاليّة، بل أنّ القراءة الحاليّة، ربّما تعلّمه أن يقرأ النّصّ أفضل من القراءة أو من الفهم السّابق.
لذلك، تكلّم القوم عن الفقيه الذي يستنبط الأحكام من الأصول، ولا يرّدد أقوال السّابقين، فليس العلم أن تردّد أقوالًا لسابقين، ولكن العلم أن تُعمِل عقلك لتفهم من الأصول، وقد تستعين بفهم السّابقين، وقد تنقض فهمهم، وقد توافق عليه، وقد توفِّق بين فهمهم وفهمك ـ وكلّ ذلك، في إطار أنّ ما نفعله جميعًا، هو محاولةٌ لما هو أصلح في إطارٍ مقيّد، هو فهمنا، وإدراكنا، وحواسّنا، ورؤيتنا، وتقديرنا، ولكنّا ـ دائمًا ـ هناك ما لا نعرفه وما لا ندركه.
هكذا نتعلّم معنى استمراريّة الرّسالة، وأنّها ما انقطعت أبدًا عن الأرض، وما هي مقطوعةٌ في حاضر، ولن تنقطع في قادم. رسالة الحياة، رسالة الحقّ للإنسان، هي رسالةٌ مستمرّةٌ بصورٍ مختلفة.
نسأل الله: أن نستمع لهذه الرّسالة المستمرّة، وأن نقرأها، وأن نتعلّمها.
اللهمّ وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهمّ ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهمّ فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهمّ ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهمّ اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهمّ أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهمّ لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنبًا إلّا غفرته، ولا همًّا إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهمّ تولّنا فيمن تولّيت، واعف عنا فيمن عفوت، واغفر لنا فيمن غفرت، وارحمنا فيمن رحمت.
اللهمّ ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.    


_______________________________

(1) حديث شريف أخرجه ابن النجار وقال بعض العلماء أنه لا أصل لهذا الحديث وقال آخرون أنه حديث مرفوع وأخرج أبو نعيم حديثا رفعه بلفظ "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد " وقد يدل على معناه الحديث الذي أخرجه كل من الترمذي وأبو داود "العلماء ورثة الأنبياء". 

(2) حديث شريف: "رجبٌ شهرُ اللهِ، وشعبانُ شهْرِي، ورمضانُ شهرُ أُمَّتِي" الراوي: الحسن البصري، المحدث: ملا علي قاري - المصدر: الأسرار المرفوعة - الصفحة أو الرقم: 438، خلاصة حكم المحدث: مرسل، المصدر: الدرر السنية، الموسوعة الحديثية، تيسير الوصول لأحاديث الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ.  

(3) مقولة للسيد أبي الحسن الشاذلي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق