حديث الجمعة
3 صفر 1440ه الموافق
12 أكتوبر 2018م
السيد/ علي رافع
حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول
الله.
الحمد لله، والحمد دائمًا لله، والشّكر دائمًا لله،
والصّلاة والسّلام دائمًا على رسول الله.
عباد الله: إنّ كلّ إنسانٍ مسئولٌ عن أن يُذكّر
بما يرى أنّه الحقّ، وفي نفس الوقت عليه أن يتقبّل أيّ تذكيرٍ آخر، غير متكبّرٍ أو
رافضٍ لأن ينظر فيما يُذكَّر به.
هذا التّواصل بين إنسانٍ وإنسان، أو بين النّاس جميعًا،
هو ما أُمِرنا به بأن نتواصى بالحقّ، وأن نتواصى بالصّبر، وهو ما أُمِرنا به أيضًا:
"فَذَكِّرْ إِن
نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ، ويتجنبها الأشقى"[الأعلى 9 ـ 11].
وإذا تأمّلنا في هذه الآية: "سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ"، من هو الذي يخشى؟ وكيف سوف
يستفيد من التّذكير؟ وما علاقة الخشية بالنّفع من التّذكير؟. كلّ هذه التّساؤلات
تحتاج إلى أن يتأمّل الإنسان في دلالة هذه الآية، وهي توضيحٌ لما بدأنا به الحديث،
عن العلاقة بين المذكّر والمتذكّر.
وإذا كان المتلقّي في معنى الخشية، والخشية هنا تعني،
أنّه يخشى أن يكون متكبّرًا، أن يكون لنفسه عابدًا، أن يكون متجمّدًا، أن يكون
معتقدًا أنّه الأعلى. الذي يخشى، هو الذي لا يكون لنفسه عابدًا، ولا معتقدًا أنّه
الأعلى، ولا متكبّرًا، ولا للنّصح رافضًا.
إنّه الذي يرغب في أن يكون متذكّرًا من أيّ رسالةٍ تأتيه،
ومن أيّ تذكيرٍ يتلقّاه؛ لأنّه يتعامل مع الله في كلّ أمرٍ، ويرى رسالته في كلّ
توجيهٍ، ويرى رسالته في كلّ تذكيرٍ، ويرى رسالته في كلّ إشارةٍ، وفي كلّ حادثةٍ،
وفي كلّ أمرٍ، وفي كلّ تعاملٍ ـ تركيب هذا الإنسان، وسلوك هذا الإنسان الذي يخشى،
يجعله قابلًا للتّذكير.
أمّا "الأشقى"، فهو الذي ليس كذلك، إنّه يرى نفسه ربًّا، يتكبّر، ويرفض
التّوجيه، ولا يسمع الرّسائل الموجهة إليه، لا يسمع رسائل الله إليه، إنّه منغلقٌ
على ذاته، لا ينتظر إشارةً، ولا تذكيرًا، ولا رسالةً.
وهذا ما نراه في حياتنا الدّنيا، حتّى في الأمور
الدّنيويّة، حتّى في العلم المادّيّ، الإنسان المنفتح على العلم، ينهل من العلم
أيًّا كان مصدره، ويقرأ آيات الله في كونه، فيتأمّل فيما يحدث حوله من ظواهر
كونيّة، ومن ظواهر طبيعيّة، ومن ظواهر بيئيّة، ومن ظواهر اجتماعيّة، وسياسيّة،
واقتصاديّة، وإنسانيّة.
عنده طلبٌ للعلم، من أيّ مكانٍ ومن أيّ مصدر، لا علاقة
للعلم عنده بنوعيّة المصدر، [أطلب العلم من المهد إلى اللحد](1)، فإذا وجد من هو أصغر منه سنًّا
أو مقامًا، ولكن عنده علمًا فإنّه يتقبّله، لا يظن أنّه بمقامه أو بعمره أفضل من
الآخرين، وإنّما يقبل الحكمة أيًّا كان مصدرها، يتأمّل فيها، حتّى ولو كانت
بالنّسبة له خاطئة، إلّا أنّه يتقبّل أن يتفكّر فيها، وأن يقيسها بمعاييرٍ
موضوعيّة، بذلك يُغيّر نفسه دائمًا، ويُغيّر فكره دائمًا، ويُغيّر معتقده دائمًا.
وكذلك، إن كان مصدر العلم من بيئةٍ أخرى، أو من دينٍ آخر،
فإنّه يتقبّل أن يقرأه، وأن يفحصه، وأن يتعلّم منه، [أطلبوا العلم ولو في
الصّين](2)، هي تعبيرٌ عن ذلك، بغضّ
النّظر إن كانت تُعتبر حديثًا أو ليست كذلك، إلّا أنّها مقولةٌ صحيحة، أنّ العلم يُطلب
من أيّ مكانٍ، ومن أيّ مصدرٍ.
أمّا الذين يتكبّرون، ويظنّون أنّ كلّ العلم فيما يعرفون،
حتّى ولو كانوا يظنّون أنّ كلّ العلم في دينهم، أو في كتاب الله لهم، فهذه المقولة
تجعلهم على أنفسهم منغلقين، بظنّ إيمانٍ ويقين، وفي كتابهم، وفي كتاب الحقّ لهم،
آياتٌ ترشدهم أن يبحثوا عن الحقيقة من مصادر الحياة، "قُلْ سِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ..."[العنكبوت 20]، أنظر "... مَّا
تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ..."[الملك 3].
فآيات الحقّ، تحثّهم على طلب العلم من مصادر مختلفة، "...
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..."[الحجرات 13]، فهذه قوانينٌ كونيّة، تجعل
البشر جميعًا يتعاونون، ويتكاملون، ويتعارفون، ويأخذون من بعضهم البعض، باحثين عن
الأفضل، والأحسن، والأقوم، "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..."[العنكبوت 46].
وهكذا، ندرك أنّ ما نفهمه كسلوكٍ في طريق الله، وفي
تعاملٍ مع النّاس ومع أنفسنا، وفي طلب المعرفة الخاصّة برقيّنا الرّوحيّ والمعنويّ،
تتماثل مع طلب المعرفة في حياتنا الأرضيّة، وفي علومنا المادّيّة، وفي معاملاتنا
الإنسانيّة. إنّها قوانينٌ شاملة، تُطبّق في حياتنا الأرضيّة، وفي حياتنا الرّوحيّة،
وعلينا أن نتعلّم ذلك ـ بهذا، نُغيّر أنفسنا فيغيّر الله ما بنا، "... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ..."[الرعد11].
عباد الله: نسأل الله: أن يجعلنا من "الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ..." [الزمر 18]، ومن الذين يُذكّرون فيتذكّرون،
ويقرأون رسائل الحقّ في كلّ رسالةٍ، وفي كلّ إشارةٍ، وفي كلّ آيةٍ، وفي كلّ حادثةٍ،
حتّى يكونوا عبادًا لله خالصين، ورجالًا في طريقه سالكين، ولوجهه قاصدين.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول
الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أنّ
الإنسان الذي "يَخْشَىٰ"، سوف يكون قادرًا على أن يستمع إلى التّذكير، أمّا
الإنسان المتكبّر فلن يستطيع أن يفعل ذلك.
وهذا، هو معنى الخشية في الآيات: "فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ،
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ، ويتجنبها الأشقى". و"الأشقى"، هو الذي لا يرى إلّا نفسه، ولا
يرى إلّا عقله، لا يستمع لتذكيرٍ، ولا يقتنع إلّا بما هو قائمٌ فيه، لا يستمع إلى
الذّكرى التي ربما تُغيّر له تفكيره، والتي قد تُثبّت له ما يعتقده، يرفضها من
البداية، وهذا ما يجعل الإنسان في معنى "الأشقى".
و"الأشقى"، هو الذي يكون في حالٍ لا يعرف أن يخرج منه إلى أيّ حالٍ
آخر، سواء بالإيجاب أو السّلب، "الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ،
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ"[الأعلى 12، 13]، فالموت قد يكون أفضل من هذا
الحال، والحياة بالقطع هي أفضل من هذا الحال، إنّما ما بين الحالين هو أصعب حالٍ.
وكلّ هذا، نراه في حياتنا الأرضيّة، وفي معاملاتنا
المادّيّة، فالذي يقبل التّذكير في حياتنا الأرضيّة، سوف يُصوّب طريقه إذا كان
طريقه خاطئًا، وسوف يُثبّت طريقه إذا كان طريقه صحيحًا، باستماعه للإشارات من حوله
وللآخرين، دون استعلاءٍ ودون تكبّر.
أمّا الذي لا يرى إلّا نفسه، فسيكون أيضًا في هذا الحال
الذي لا يعرف طريقه، ولا يعرف كيف يكون حيًّا، أو ميّتًا، ناجحًا، أو فاشلًا.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفّقنا لما فيه
صلاحنا، ولما فيه نجاتنا.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما
عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك،
ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن أرضنا، وعن بلدنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين،
عندك محتسبين.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنبًا إلّا غفرته، ولا
همًّا إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين.
اللهم أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل
باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنبًا إلّا غفرته، ولا
همًّا إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا
أرحم الرّاحمين ارحمنا.
_______________________________
(2) المحدث: ابن باز - المصدر: مجموع فتاوى ابن باز - خلاصة
حكم المحدث: جمهور أهل العلم بالحديث قد حكموا على هذا الحديث بأنه ضعيف من جميع طرقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق