الخميس، 22 نوفمبر 2018

يوم يكون الإنسان حريصًا على معنى الحياة فيه، يكون قد أدرك معنى علاقته برسول الله.

حديث الجمعة 
8 ربيع الأول 1440هـ الموافق 16 نوفمبر 2018م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"[التوبة 128]، هكذا يخاطبنا الحقّ عن مجيء رسول الله بيننا، يحدّثنا عن مولده وعن قيامه في مجتمعنا، في بيئتنا، في أرضنا، إنّه قولُ حقٍّ دائمٍ قائمٍ على هذه الأرض. فإذا كان مولد الذّات المحمّديّة، هو تعبيرٌ عن هذا المعنى وتجسيدٌ له، فإنّ هذا المعنى هو معنىً قائمٌ ودائم، بما ترك محمّدٌ رسول الله فينا من عترته وسنّته.
وفي قانون الحياة الذي تعلّمناه، في أنّ كلّ حقٍّ لا يفنى ولا يزول، وأنّ كلّ قولٍ فيه حياة لا يفنى ولا يزول، فكلّ ما جاء به محمّدٌ رسول الله، هو قائمٌ لا يفنى ولا يزول. ومعنى الحياة أكبر من قيام هذه الذّات، وما قيام الذّات إلّا تجلّي لمعنى حياة.
فظهور الإنسان بالذّات، هو تجلّي للإنسان في مكانٍ وفي زمان، أمّا الإنسان بمعناه الرّوحيّ فهو أكبر من المكان والزّمان، هو قبل هذا المكان، وقبل هذا الزّمان، وهو بعد هذا المكان، وبعد هذا الزّمان.
فإذا كنّا نتذكّر في هذه الأيّام، مولد الذّات المحمّديّة، التي تجلّى معنى رسول الله بها، فإنّا نتذكّر هذا المعنى الدّائم، الذي أُمِرنا دائمًا أن نكون في صلةٍ به،"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"[الأحزاب 56]، وهذه نعمة الله على الإنسان، أن جعل دائمًا هناك من يُذكّره ومن يُعلّمه.
والإنسان حين يدرك هذه النّعمة، يطلب دائمًا من الله أن يجعله كذلك، "... رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[الأحقاف 15].
حين نتأمّل في هذه الآيات، نجد أنّ النّعمة الكبرى، هي نعمة الحياة، والحياة هي المعنى الذي يُبقيك على هذه الأرض، وهي المعنى الذي يُذكّرك بمعنى وجودك، وبمعنى قيامك، وبمعنى حياتك، وهي المعنى الذي يحفظك، والذي يقودك إلى ما هو أفضل وأحسن.
النّعمة التي تشكر الله عليها، ليست في مالٍ، فهناك من لا مال له، وليست في صحّةٍ، فهناك من لا صحّة له، وليست في جاهٍ، فهناك من لا جاه له ـ ولكن في معنى الحياة فيك، في المعنى الذي يُذكّرك، والذي يحفظك.
هذا المعنى الذي نقول عنه دائمًا، هو رسول الله لك، هو كلمة الله فيك، هو سرّ الله بك، هو معنى الحياة لك، وأنت تسأل الله أن يقودك إلى ذلك، وأن يُحفّزك لتدرك ذلك، وأن يُعلّمك ذلك يوم تقول: "أَوْزِعْنِي"، لقد أدركت أنّك لا يمكن أن تشكر نعمة الله، إلّا إذا أوزعك لتكون كذلك، إلّا لو جعلك تكون ذلك.
"أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ"، إنّك تعبّر بذلك عن استمراريّة قانون الحياة، فكما هي نعمة الله لك، كانت نعمة الله لوالديك، لقديمك، كانت قبل أن تكون، وستكون بعد أن كنت. "وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي"، فأنت قائمٌ بين قديمٍ وجديد، وتعلم أنّ القانون دائمٌ في كلّ حال.
فإذا قمت في ذلك، فأنت تدرك أنّك ما كنت على الطّريق القويم، وأصبحت على الصّراط المستقيم، فتتبع ذلك بالقيام في معنى التّوبة، "إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ"، أتوب إليك، فقد كنت غافلًا عن معنى الحياة فيّ، وعن معنى رسول الله فيّ، ورجعت إلى هذا المعنى، وتبت عمّا كنت فيه، فأصبحت من المسلمين، "إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
وهنا، معنى المسلمين، ليس مجرّد صفةٍ تكتسبها أو تكسبها بالمولد، وإنّما هنا تعبير: أنّك قلت: "إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، تعبيرٌ عن أنّك كسبتها بإدراكك، يوم اتّجهتَ إلى ربّك بأن يوزعك أن تشكر نعمته عليك، واتّجهتَ إليه أن تعمل صالحًا، واتّجهتَ إليه أن يُصلِح من ذريّتك وفي ذريّتك. يوم قمتَ في ذلك حقًّا، تبتَ إليه وذكرتَ إنّك من المسلمين.
وهذا التّعبير، نجده في آياتٍ أخرى، يوم يعمل الإنسان عملًا صالحًا ويقول: إنّي من المسلمين، "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[فصلت 33]، و"مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا ..."[آل عمران 67] ، فالمسلم ليس مجرّد كلمةٍ نقولها عن أنفسنا أو عن غيرنا ـ وإنّما هي كلمةٌ يقولها الإنسان عن نفسه، يوم يدرك حقًّا معنى الإسلام.
عباد الله: نسأل الله: أن يجعلنا ممّن نتوب إليه، ونقول إنّا من المسلمين، وأن يجعلنا دائمًا برسول الله متّصلين، نصلّي ونسلّم عليه في كلّ وقتٍ وحين. هكذا، نكون من الذّاكرين، المسلمين، المؤمنين.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو ما تأمّلناه في الرّبط بين نعمة الله التي أنعم علينا، وبين "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ".
فيوم يكون الإنسان حريصًا على معنى الحياة فيه، يكون قد أدرك معنى علاقته برسول الله، فرسول الله "حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"، وأنت يوم تشعر بذلك، وتقوم في ذلك، فإنّك تتّجه إلى الله، تتّجه إلى ربّك داعيًا: "أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ"، وتدرك أنّ هذا المعنى لا يدوم إلّا إن أكملت دعاءك، بـ: "وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ"، فبهذا تحافظ على نعمة الله عليك.
وأنّ من فضل الله عليك، أن يكون لك امتدادٌ ينتفع بما انتفعت به، وأنّ هذا لا يكتمل إلّا بأن تدعو الله: "وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي"، وهنا معنى الذّريّة ليس مجرّد أبناء، وإنّما هو عملٌ صالحٌ مستمرّ، وندرك ذلك من مخاطبة الحقّ لنوحٍ ـ عليه السّلام ـ: "... إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ..."[هود 46]. 
فالعمل هنا، مرتبطٌ بامتدادك في أيّ شكلٍ وفي أيّ صورة، وما كلمة ذريّتي هنا، إلّا تمثيلٌ ورمزٌ على الامتداد في هذه الأرض، [ينقطع عمل ابن آدم إلّا من ثلاث، صدقةٌ جارية، أو علمٌ يُنتفع به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له](1)، كلّها أعمالٌ باقية، فأنت لا تنظر إلى لحظتك فقط، ولكن تريد أن يكون عملك له تأثيرٌ باقٍ على هذه الأرض، وهذا دعاؤك أن تكون أداة خيرٍ وصلاحٍ وفلاح، بأيّ صورةٍ وبأيّ شكل، إنّك يوم تتّقي الله في عملك هو عملٌ صالحٌ باقٍ، يوم تعدل في عطائك وأخذك يكون عملٌ صالحٌ باقٍ، وهكذا في أقلّ القليل.             
فهكذا ندرك دائمًا، أنّ الإنسان وهو يذكر محمّدًا رسول الله، فهو بذلك يعبّر عن فهمٍ وإيمانٍ بهذا المعنى في دوامه وفي بقائه، لا يَذكر معنىً كان، وإنّما يذكره معنىً دائمًا قائمًا، وهذا ما نريد أن نقوله اليوم، حتّى نكون أهلًا دائمًا، لصلةٍ دائمةٍ برسول الله في كلّ صلاةٍ وسلامٍ عليه، "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".
نسأل الله في يومنا هذا وفي لحظتنا هذه: أن يجعلنا دائمًا ممّن يذكرون ويصلّون على رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وأن نكون دائمًا في قيامنا وركوعنا وسجودنا، له ذاكرين، ولنعمة الله علينا به مدركين، وأن يجمعنا الله دائمًا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى محبّته.
اللهم وهذا حالنا، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنبًا إلّا غفرته، ولا همًّا إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنّا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.
_____________________________________

(1)           حديث شريف نصه: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له." الراوي: - المحدث: ابن تيمية المصدر: مجموع الفتاوى. 

  ____________________

"وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي"
"إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ"

"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[فصلت 33] 

"مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا ..."[آل عمران 67] 

"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"
"حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"
"أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ"
"وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ"
"وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي"

"... إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ..."[هود 46] 

(1)   حديث شريف نصه: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له." الراوي: - المحدث: ابن تيمية المصدر: مجموع الفتاوى. 
"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق