حديث الجمعة
19 جمادى الأولى 1440هـ الموافق
25 يناير 2019 م
السيد/ علي رافع
حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول
الله.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود
وجهه، الحمد لله الذي جعل لنا طريقًا نسلكه، وذكرًا نجتمع عليه، وقبلةً نتَّجه لها،
وهدفًا نريد أن نُحقِّقه، فكان فضله علينا عظيما، وكانت نعمته بنا كبيرة.
عباد الله: إنَّ الإنسان في طريقه في الله،
يحتاج إلى صحبةٍ وإلى أُخوَّةٍ في طريق الله، يأخذ القويُّ بيد الضَّعيف، ويعلِّم
العالم من جَهِل، ويُذكِّر الذَّاكر من نسى، ويتواصى الجميع بذكر الله، يتواصى
الجميع بالحقِّ، ويتواصون بالصَّبر. وهذا، ما تُعلِّمنا الآيات:" وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ
لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[العصر 3:1].
لذلك، فنحن نُذكِّر أنفسنا جميعًا بمعنى الطَّريق في
الله، وبمعنى الصُّحبة في الله، وبمعنى التَّجمُّع على ذكر الله، وهو أمرٌ ضروريٌّ
للإنسان في طريق الحياة. والتَّجمُّع ليس مجرَّد تجمُّع أجساد، إنِّما هو تجمُّع
أرواح. لذلك، قال القوم: [ربَّ قريبٍ منَّا وهو بعيدٌ عنَّا، وربَّ بعيدٍ عنَّا
وهو قريبٌ منَّا](1).
وديننا يُعلِّمنا ذلك، يوم وجَّهنا أن نستقبل قبلةً
واحدةً نتَّجه إليها جميعًا، فكانت القبلة هي رمزٌ للتَّجمع والصُّحبة، والاتِّجاه
إلى قبلةٍ واحدة هو رمزٌ من النَّاحية المكانيَّة والزَّمنيَّة. إنَّما التَّجمُّع
الحقيقيّ، هو يوم تكون للقبلة معنى عند كلِّ فردٍ من أفراد الجمع.
لذلك، حين تَوجَّه الصُّوفية إلى رسول الله بقولهم: [يا
قبلتي في صلاتي .. إذا وقفت أصلِّي. جمالكم نصب عيني .. إليه وجَّهت كلِّي](2)، فهم يرون القبلة معنىً حيّ،
يرون القبلة هي معنى لرحمة الله المهداة، ولنعمة الله المجزاة، ولرسول الله الدَّائم
بمعنى الحياة، ووصلة الحياة، ونور الله، وفضل الله، وعلم الله، وكلمة الله، وروح
الله.
ففي أدبيَّاتهم وحديثهم، لم يكن الرَّسول ـ بالنِّسبة
لهم ـ هو قيامٌ مادِّيّ تواجد على الأرض في فترةٍ زمنيَّةٍ ومضى، وإنَّما هو معنىً
دائم، وروحٌ باقية، [زُويت لي الأرض مسجدًا وطهورا](3)، هكذا قال رسول الله.
فنحن نتعلَّم ونُخبَر في آيات الله، أنَّ الأنبياء، والرُّسل،
والشُّهداء، والأولياء، وعباد الله الصالحين ـ أحياءٌ عند ربهم يُرزقون، "وَلاَ
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء
عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"[آل عمران 169]، "إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"[الأحزاب 56].
والصَّلاة، دعاءٌ بالصِّلة. والصِّلة، تكون بالحيِّ
وبالحياة. والحيُّ، لا يعني التَّواجد في ذاتٍ، وإنَّما هو أكبر من ذلك. لذلك، كان
التَّوجُّه الدَّائم إلى قبلةٍ مجرَّدة، حتَّى تظلَّ دائمًا رمزًا على هذا المعنى
الحيّ.
نقول هذا، حتَّى لا نٌحدِّد الصُّحبة والجمع في أجسادٍ
معدودة تتجمَّع في مكان، وإنَّما الجمع هنا، هو كلُّ إنسانٍ على هذه الأرض، عنده
فهمٌ في معنى التَّوجُّه إلى قبلته، وعنده فهمٌ في معنى الحياة، وعنده فهمٌ أنَّه
مرتبطٌ بإخوانٍ له في الله في كلِّ مكانٍ وفي كلِّ زمان، وأنَّه بتوجُّهه إلى هذه
القبلة، إنَّما يقيم صلةً بكلِّ إنسانٍ حيٍّ على هذه الأرض، فيتواصل معه، ويرتبط
به، ويأخذ منه مددًا، ويعطي هو مددًا.
[المؤمنون كجسدٍ واحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، باتت له باقي
الأعضاء بالحمَّى والسَّهر](4)، تعبيرٌ أخبرنا به رسول الله ـ
صلوات الله وسلامه عليه ـ في تواجده بالذَّات المحمَّديَّة، فكان تعبيرًا باقيًا،
دائمًا، ممتدًّا.
وإذا كان المسلمون جميعهم، يتَّجهون بأجسادهم وبأنظارهم
إلى القبلة الموجودة في بكَّة المباركة، إلَّا أنَّ ذلك لا يعني أنَّهم يتَّجهون
حقَّا بقلوبهم وأرواحهم، إلَّا من رحم الله ووعى رسالة الإسلام له، وعرف القبلة
معنىً حيًّا يتَّجه إليه، فوعي الإنسان وإدراك الإنسان، هو الذي يحدِّد روابطه،
ويحدِّد أُخوَّته، ويحدِّد صحبته، فـ [المرء على دين خليله، فلينظر أيُّكم من
يخالل](5)، الحديث هنا، ليس مجرَّد
مصاحبةٍ مادِّيَّةٍ أو شكليَّةٍ أو دنيويَّة، وإنَّما هي مصاحبةٌ حقيَّةٌ، نورانيَّةٌ،
روحيَّة.
لذلك، فإنّ التَّجمُّع في طريق الله، هو أن نتَّجه جميعًا
إلى قبلةٍ واحدة، بمفهومٍ واعٍ، بمفهومٍ روحيٍّ معنويّ، تكون القبلة نصب أعيننا
دائمًا، في صلواتنا، في تسبيحنا، في معاملاتنا، في نومنا ويقظتنا، في ركوننا
وسكوننا وحركتنا، في مسيرنا وتوقُّفنا، في كلامنا وصمتنا، في كلِّ لحظةٍ من لحظات
حياتنا. وهكذا، عبَّر القوم حين قالوا: [لو غاب عني رسول الله طرفة عينٍ، ما
عددت نفسي من المسلمين](6).
إنَّ ما نقوله، موجودٌ في آيات الله لنا، وفي تراث
أوليائه الذين تفكَّروا وتدبَّروا، وقبل ذلك، فيما ترك رسول الله لنا من عترةٍ،
ومن حديثٍ باقٍ. باقٍ؛ لأنَّه حديثٌ حيٌّ تناقله النَّاس بأفهامهم، فزادوا فيه أو أنقصوا،
ولكن كلُّ إنسانٍ صادقٍ، حين يقرأ أيَّ حديثٍ، سوف يرى ما فيه من صدقٍ ومن حقٍّ،
وسوف يترك ما فيه من زيفٍ وإضافة، وسوف يُكمل فيه ما حُذِف منه، وسوف يعرف حديث رسول
الله حقًّا بقلبه، وبعقله، وبإحساسه وضميره. فالحديث الأصليّ موجودٌ في أثير هذه
الأرض، لم يفارقها، وكلُّ إنسانٍ أعدَّ نفسه بحقٍّ، سوف يجد صدىً في قلبه لكلِّ
حديثٍ حقيّ.
بل أنَّه سوف يجد أيضًا صدىً في قلبه لكلِّ حديثٍ قيل من
وليٍّ، أو نبيٍّ، أو عبدٍ لله صالح ـ سوف يجده موجودًا في فطرته التي فطره الله
عليها؛ لأنَّ فطرة الله فيها كلُّ العلم، وفيها كلُّ النُّور، وفيها كلُّ الحياة.
ولذلك، تكلَّم القوم عن العلم اللدُّنيّ، "... عَلَّمْنَاهُ
مِن لَّدُنَّا عِلْمًا"[الكهف 65]، وكلُّ إنسانٍ عنده من العلم اللدُّنيّ بقدره،
بصفائه، بأهليَّته، بقدرته. لذلك، نقول دائمًا، أنَّ القضيَّة ليست أن نقول كلُّنا
نفس الكلام، أو نشعر كلُّنا نفس الشُّعور، وإنَّما كلُّنا عنده ما يشعر به، وما
يعلمه بقلبه وفطرته، وهذا هو المهمّ. كيف تتواصل مع فطرتك؟ وكيف تتَّجه إلى قلبك،
وهذا هو العلم الحقيقيّ، والذي نحاول جميعًا أن نقومه، بأن نتواصى بيننا بالحقِّ
وبالصَّبر، وأن نتواصى بيننا بالآليَّات والأدوات التي تمكِّننا من أن نتواصل مع
داخلنا، ومع بيئتنا، ومع كوننا.
وآيات الحقِّ ترشدنا إلى ذلك، وتعلِّمنا ذلك، وتضرب لنا
مثلًا لنفهم ذلك، "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا
وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ..."[آل عمران 191]، هؤلاء الذين يتَّجهون دائمًا
إلى داخلهم، متذكِّرين معنى حياتهم، وموجدهم، وإلههم، وربِّهم، وموجد وجودهم،
وخالق كيانهم، من أودع سرَّه فيهم، ومن فطرهم على ما فطرهم عليه، وأقامهم فيما
أقامهم عليه، الحيُّ القيُّوم.
بالذِّكر، بالتَّوجه إلى القلوب، واستحضار معنى الغيب ـ بالنِّسبة
للإنسان ـ الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد، يكون الذِّكر. وإذا فعل الإنسان ذلك،
فتح الله عليه وعلَّمه ما هو له أهل، فهذا اتِّجاهٌ إلى الدَّاخل، "الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ...".
وهناك اتِّجاهٌ إلى الخارج، "... وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[آل عمران 191].
بالذِّكر، وهو تأمُّلٌ إلى الدَّاخل، وبالتَّفكُّر في
آيات الله وخلقه، وهو تأمُّلٌ إلى الخارج، يتغيَّر الإنسان ويتعلَّم الإنسان، وهذا
قانونٌ في الظَّاهر والباطن. ففي الظَّاهر، نجد أنَّ الذين كشفوا كشوفاتٍ واخترعوا
اختراعاتٍ، هم من استطاعوا أن يتأمَّلوا في داخلهم وخارجهم، شاهدوا ما يحدث حولهم،
وشاهدوا ما يحدث فيهم بعقولهم، وفكَّروا وتدبَّروا، وحاولوا أن يربطوا بين كلِّ ما
يشاهدونه، فوصلوا إلى علمٍ، لم يصل إليه من لم يحاولوا ومن لم يجتهدوا، في أن
يربطوا بين كلِّ ما يشاهدون.
"... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ ..."[الزمر 9]، وهل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون، وهل
يستوي الذين يتأمَّلون والذين لا يتأمَّلون، وهل يستوي الذين يذكرون والذين لا
يذكرون؟
لذلك، وُجِّهنا أن نحاول بقدرنا، بقدر استطاعتنا، فـ "لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ..."[البقرة 286]، أن نجتهد، وأن نعمل، وأن نتعلَّم،
وأن نشاهد ما يحدث حولنا، كلٌّ بقدره، وكلٌّ بإمكاناته، "قُلْ سِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ..."[العنكبوت 20]، دعوةٌ لكلِّ إنسانٍ أن يحاول
في هذا الاتِّجاه، بهذه المحاولة، يتغيَّر الإنسان ويتعلَّم الإنسان.
ويوم يكون قائمًا في هذا المنهج، سوف يكون مرتبطًا بإخوةٍ
له قاموا في هذا المنهج أيضًا، فيجد مددًا روحيًّا يساعده في أن يتعلَّم أكثر، وأن
يفهم أكثر، وأن يتواضع أكثر، وأن يفتقر إلى الله أكثر، وأن يدعو الله أكثر، وأن
يجتمع على ذكر الله أكثر، وأن يذكر الله في قلبه أكثر ـ فيكون عبدًا ربَّانيًّا،
عبدًا حقيًّا، عبدًا نورانيًّا.
وهذا ما نطمع أن نكون في الطَّريق إليه، وأنَّنا مهما
علمنا فإنَّنا نجهل الكثير، فلا نغترُّ بعلمٍ، ولا نغترُّ بفهمٍ، ولا نغترُّ بذكرٍ،
ولا نغترُّ بأيِّ صورةٍ نراها ولا بأيِّ حالٍ نقوم فيه. فالله أكبر دائمًا، ومهما
عملنا ومهما ذكرنا، فنحن لا زلنا في بدايات الطَّريق؛ لأنَّ الطَّريق لا نهاية له؛
ولأنَّ المعراج في الله لا نهاية له، "... وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ
إِلاَّ قَلِيلاً"[الإسراء 85]، "... لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ
عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ..."[البقرة 255]. هكذا، نتدرَّب ونتعلَّم الأدب
في طريق الله، وفي سلوك هذا الطَّريق.
نسأل الله: أن نكون من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ
الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ..."[الزمر 18]، وأن نتفقَّه في ديننا وفي
أحوالنا وفي كلِّ ما يحيط بنا، وأن نتَّجه إلى قلوبنا، وأن نذكر بقلوبنا، وأن نعيش
بأرواحنا، وأن ننطلق بأرواحنا، وأن نكون أهلًا لرحمة الله ولفضل الله ولنعمة لله.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول
الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو
أن نُذكِّر أنفسنا بمعنى الطَّريق لنا، وأنَّ الطَّريق ليس مجرَّد تجمُّع أجساد،
وإنَّما هو وعيٌ يقوم في الإنسان، وكلِّ من قام فيه الوعي الصَّالح، الذي يؤهِّله
للَّتقدُّم إلى الأمام وإلى الارتفاع إلى أعلى، هو في طريق الله، ومجتمعٌ على صحبةٍ
له في الله.
وأنَّ رمز هذا التَّجمُّع، هو أن تكون له قبلةٌ واحدة،
وأن يكون له أو لهم جميعًا هدفٌ واحد واتِّجاهٌ واحد يتَّجهون إليه، وطريقٌ واحد
يسيرون فيه، وهو طريق الذِّكر، والتَّأمُّل، والتَّدبُّر، والتَّواضع، والافتقار
إلى الله، والمحبَّة للنَّاس جميعاً، ولكلِّ كائنات الله، ولكلِّ خلق الله.
كلُّ إنسانٍ تحلَّى بهذه الصِّفات، وتدرَّب على أن يكون
هذا هو سلوكه، وهذه هي حياته، يكون في طريق الله، ويكون في أُخوَّةٍ مع كلِّ إنسانٍ
يفعل ذلك، وهذا سرٌّ من أسرار الحياة، عُلِّمنا إياه في كثيرٍ من الآيات والأحاديث.
فالآيات تصف لنا حال هؤلاء، "الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ..."،
والذين يسيرون في الأرض فينظرون كيف بدأ الخلق، والذين يفتقرون إلى الله، "يَا
أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ"[فاطر 15].
وعلَّمتنا إياه أحاديث رسول الله في أنَّ [الدِّين
المعاملة](7)، وفي أنَّ [المرء على دين
خليله، فلينظر أيُّكم من يخالل](8)، وفي معنى الجماعة والتزام
الجماعة. ولكنَّ النَّاس أخذوا هذه الأحاديث بظاهرها، ولم يعلموا أنَّ لها بعدًا
أعمق من ذلك؛ لأنَّها لا تعني مجرَّد أجسادٍ تجتمع، أو إنسانٍ يصادق إنسانًا أو يُخَالِلـه
في الله بالذَّات، وإنَّما هو أن يكون ذلك طبقًا لمنهجٍ ربَّانيّ، وهو التَّوجُّه
إلى قبلة الحياة، وإلى معنى الحياة، وإلى رحمة الله، وإلى نور الله.
فحين نتوحَّد جميعًا في اتِّجاهنا، وفي معرفة قبلتنا،
فإنَّنا نتوحَّد أيضًا في أُخوَّتنا في الله، وفي أن نكون في الذين يتواصون بالحقِّ
ويتواصون بالصَّبر.
نُذكِّر بذلك كثيرًا؛ لأنَّ "... الذِّكْرَى
تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"[الذاريات 55]؛ ولأنَّنا في حاجةٍ دائمةٍ لأن نُذكِّر أنفسنا،
حتَّى لا تتحوَّل صحبتنا أو جمعنا إلى شكلٍ وإلى صورة، كأيِّ شيءٍ آخر، وقد تحوَّل
بيننا إلى شكلٍ وإلى صورة، وفقد المعنى والجوهر.
نريد أن نحافظ دائمًا، على جوهر جمعنا ومعنى وجودنا،
لنكون صحبةً في الله دائمة، نتَّجه إلى الله بقلوبنا وأرواحنا، ونشعر بما قاله الصُّوفيّ:
[يا قبلتي في صلاتي إذا وقفت أصلِّي. جمالكم نصب عيني .. إليه وجَّهت كلِّي](9)، أن نشعر بهذا الجمال الرُّوحيّ،
والمعنويّ، والحقِّيّ، حين نتَّجه إلى قبلتنا.
عباد الله: نسأل الله: أن يجمعنا دائمًا
في طريقه، وأن يجمعنا على ذكره.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول
الله.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما
عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نتَّجه إليك، ونتوكَّل عليك، ونوكل ظهورنا
إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا في طريقك سالكين، لوجهك قاصدين، معك
متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل
باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلَّا غفرته،
ولا همًّا إلَّا فرَّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلَّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا،
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.
____________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق